وتدوينة أخرى تبقى حبيسة المسودات ولا تخرج في وقتها المحدد .شاركتني بها الجميلة فوز الجميل , واحدة من أجمل العقول التي جمعتني بها “ديوانية نون”. لكن قررت نشرها على كل حال :
مجموعة من الجمل التي تطلق كل عام في وقت معرض الكتاب استوقفتني هذا العام للتفكير بها , وفي السنوات الأخيرة أصبحت تتداول كثيرا في تويتر , الذي سأركز عليه في هذه التدوينة, لأنه موقع التواصل الاجتماعي الوحيد الذي كنت أتصفحه في فترة المعرض وبعدها.
محاولة فرض توجه معين أو الوصاية على خيارات الناس وانتقادها أمر يتكرر كل عام لكنني لن أركز عليه في هنا, بل سأختار تلك الجمل التي تحاول تقنين الثقافة ووصفها في إطار واحد وهو الإطار الذي يتخذه البعض لأنفهسم, تكررت علي في تويتر جملة مثل
:” شعب لا يقرأ إلا في معرض الكتاب لا يعتبر شعب مثقف”
” الكتاب يقرأ طوال العام لا يقرأ في وقت المعرض”
“دور النشر تسوق للكتب وكأنها منتجات عناية بالبشرة”
والأسوأ السخرية من الكتاب الذين يتحدثون عن كتبهم خلال فترة المعرض ويحاولون الوصول لأكبر قدر ممكن من القراء.
لا أجد أي عيب في تركيز الحديث عن الكتب في فترة المعرض, لأنها مناسبة مهمة وهذا لا يدل على أن القراء فقط يهتمون بالقراءة في أسبوع المعرض ولا يعني أن الثقافة حدودها في هذه الأيام, هي فقط مناسبة جيدة ومحدودة الوقت لذلك الكل يحاول الحديث عن تجربته وعن الكتب التي أعجبته, عن الكتب التي تأثر بها لإيصالها للمستفيد أو الباحث, الذي يقرأ ليختار ما يناسبه من الكتب, وهذا ليس عيبا بل العيب هو إتباع نصائح الغير فيما يخص أسماء الكتب دون تفكير لمدى ملائمتها لاهتماماته أو البحث عنها, وغالبية صديقاتي القارئات اللاواتي لا يجدن وقت كافيا خلال العام لشراء الكتب يعتبرن معرض الكتاب مناسبة مهمة لشراء كتب يقرأنها في العام التالي كاملا أو في نصفه لذلك يتركز حديثهم وقراءتهم حول الكتب في وقت المعرض بينما يقرأن الكتب خلال العام.
تقول فوز الجميل عن تجربتها في قراءة تعليقات الآخرين على الكتب : “النقد ظاهرة صحية في كلّ حالاته .. فلو زاد الإقبال وزادت معه موجة النقد فنحن المستفيدين بكل تأكيد .. موجة الاتهامات بإدعاء وغيرها سطحية ولم تظهر بسبب إحصاءات دقيقة تؤكدها مثلا .. هي آراء فردية وشخصية لا يمكن تأكيدها بالصحة أو الخطأ”.
وفيما يخص دور النشر فالتسويق للكتب ليس عيبا خصوصا إذا أردنا شعبا يقرأ باستمرار في ظل هجرة الكتاب التي يعاني منها مجموعة أو غالبية فئات المجتمع, فالتسويق طريقة ذكية لمحاولة لفت نظر الشباب المراهقين أو ذوي الاهتمامات المحددة لأسماء وعناوين ربما تكون مدخل لاهتمامهم بالكتاب والبحث عنه, دور النشر العالمية وأغلب الكتاب الناجحين في أمريكا مثلا, يخَصص لهم رحلة ترويجية لكتبهم يلتقون الناس في الجامعات والمكتبات العامة والخاصة للحديث عن الكتاب وقراءة أجزاء منه وهي فكرة ناجحة مهما كان عنوان الكتاب فسيجد من يهتم به ويتبادل معلوماته ويهتم باللقاءات الخاصة به , لا أجد بها شخصيا أي عيب, ولكن من حق من لايحب التعامل مع الكتب بهذه الطريقة أن يمتنع عن حضور مثل هذه اللقاءات أو يختار كتبه بعيدا عن هذه الدعاية لكن ليس من حقه محاولة الاستخفاف بهذه المحاولات أو التقليل من تأثيرها بل ونعت المستجيبين لها بالسطحيين أو ما إلى ذلك, خصوصا المبتدئين بالقراءة, أضافت فوز نقطة جميلة في حديثها عن التسويق عن الكتب قائلة:” لا أجد بأسا في التسويق أبدا ! وكيف سنعرف عنها إن لم يسوّق لها ؟ المشكلة ربما في الذائقة التي تتحكم وتستولي على فكر دور النشر أو المؤلفين .. يعني التسويق غالبا يأتي للكتب التي يطلبها الجمهور وهي غالبا تكون كتب بسيطة معرفيا على حساب الكتب الجيدة والتي تستحق تسويق لفائدتها العلمية”.
وتتفق معي فوز بأن إعداد القوائم وتبادلها أمر صحي, فكيف نطالب بمجتمع مثقف ويتبادل الحديث عن الثقافة وغيرها إذا كان الحديث عن الكتب والتجارب يوجه لها الانتقادات, جزء كبير ممن يبحث عن كتب يقتينها من خلال تلك القوائم لا ينسخ أسم الكتاب فقط بل يلحق ذلك ببحث عن الكتاب والكاتب ومحتواه والآراء حوله وهو أمر ممتع إن لم تكن قد جربته سابقا, فجربه لتعرف جمال التجربة قبل انتقادها, أما نقطة نسخ قوائم الآخرين دون تفكير هي النقطة التي يجب أن تنتقد وليست “العملية بأكملها”.
وأخيرا تساءلت كثيرا لماذا ننتقد الحضور للمعرض؟ قرأت تقريبا خلال أيام المعرض مجموعة من المغردين ينتقد الحضور الكثيف للمعرض ويدعي بأن نصفهم قدم للاستعراض, وكأن الثقافة موجهة لشخصه فقط, مجرد التواجد في المعرض وكثافة الحضور فيه أمر يبشر بالخير في رأيي ولو خرج من قيل عنهم بأن حضورهم مجرد استعراض بكتاب واحد فقط وقرأه ووعاه وغيّر محتواه مافي نفسه لكفاه حقا.
2 Comments
في بداية احب ان احييك علي هذة المدونة الرائعة
والتي بدأت اتابعها مؤخرا وقد شجعتنى على متابعة القراءة بعد فترات انقطاع متلاحقة .
يعجبنى اسلوبك فى سرد المواضيع يدل على ثقافة عالية بالفعل .
معرض الكتاب ليس الغرض منة تذكير الناس بالقراءة اواعادة احياء تلك العادة لديهم فى ذلك الموعد من كل عام .. معرض الكتاب هو حدث ثقافى كبير فهو ينقل دور النشر العربية المختلفة والاجنبية بكل مطبوعاتها اليك .
الكل في ماكن واحد ما كنت لتتخيل تواجد كل تلك دور النشر من مختلف انحاء الوطن العربي والعالم فى مكان واحد سوي فى معرض الكتاب .