كتاب تاريخ القراة لـ ألبرتو مانغويل
دار الساقي
“القراءة مثل التنفس إنها وظيفة حياتية أساسية”
يتحدث ألبيرتو مانغويل عن تاريخه مع القراءة وتاريخ القراءة ذاته محاولا وصف العلاقة مع الكتاب من وجهة نظره كقارئ, معلومات الكتاب كثيرة, لو نقلت كل اقتباس أعجبني من الكتاب لوجدت بأنني أنقل لكم الـ”384″ صفحة كاملة لذلك فكرت لماذا لا أتحدث عن علاقتي أنا مع الكتاب عن تاريخي الخاص مع القراءة؟, لم أكتب يوما عن طقوسي أو علاقتي بالكتاب.
“وبحسب نظرية وتروك فإن القراءة ليست ظاهرة خصوصية في البنية أو المزاج وهي ليست فوضوية أبدا إلا أنها أيضا عملية غير متناغمة كليا ومتراصة يكون فيها معنى واحد هو الصحيح كلا, إن القراءة عملية خلاقة إبداعية تعبر عن محاولة القارئ المنتظمة لإنشاء وتكوين معنى واحد أو أكثر ضمن أحكام اللغة وقواعدها.”
نجد في الكتاب عرضا لتاريخ الطباعة ومراحل تطور شكل الكتاب, ومتى أصبح الكتاب في متناول الجميع بعد أن كان ملكا لطبقة معينة, عن أشهر القارئين, وأشهر الكتاب والكثير من المعلومات التي توصل إليها الكاتب والاقتباسات والكثير من الكتب التي يدلك عليها مانغويل ويحرضك على قراءتها.
” أنا أظن كتب كافكا عام 1904 إلى صديقه أوسكار بولاك ” على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي لا تعظه وتخزه. إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ الكتاب إذا؟, كي يجعلنا سعداء كما كتبت ؟ يا إلهي , كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب, والكتب التي تجعلنا سعداء يمكن عند الحاجة أن نكتبها. إننا نحتاج إلى الكتب التي تنزل علينا كالبلية التي يؤلمنا, كموت من نحب أكثر مما نحب أنفسنا, التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيدا عن الناس, مثل الانتحار. على الكتاب أن يكون كالفأس التي تهشم البحر المتجمد في داخلنا, هذا ما أظنه”.
أتنفس الكتب بشكل يومي أسافر وأحلق على بساط الورق بنهم لا ينقطع, وتعبير السفر مع الكتاب رغم أنه يستخدم بشكل كبير ولكنها مشاعر حقيقية يصفها القارئ, كنت ألتهمه ببطء أخاف أن أنتهي منه وتنتهي المتعة التي انتظرتها كثيرا, القراءة أكثر الممارسات التي تحدث توازنا داخليا لي, وتكشف لي جوانب خفية وتعلمني وتحتويني وتقلب معي حيرتي, العمل الوحيد الذي أقوم به بحب كبير لا ينضب.
كل من أحب القراءة مرّ بذات المشاعر وربما عبر عنا مانغويل في كتابه, في كل ما أقتبسه نجد أننا نبتسم ونقول ” نعم هذا صحيح أنا أفهمك”, بدأ لدي الشغف بالكتاب, قبل تعلمي للقراءة في “الروضة” كنت أقضي وقتا كبيرا أقلب القصص المصورة وأحاول أن أستخرج الحروف التي تعلمتها, كنت أقرأ بطريقتي الخاصة فقصتي كانت في أي كتاب كالتالي : س م ب ع ن خ ت, وهي بالترتيب أول حرف من اسم والدتي وحرف الميم الأول من اسم والدي وحرفي وحرف شقيقي وحرف الباء حرف شقيقتي “النون والخاء والتاء” أول حروف أسماء أصدقاء الروضة, كنت أنسج الكثير من القصص لخيالي وأحكيها لخالد “صديقي في الروضة” الذي تساءلت خلال كتابتي لهذه القصة هل يتذكرني الآن؟ وهل يتذكر قصصي المختلقة التي لا تتكرر كل مرة أمسك بالكتاب لأحكي لهم.
لا أتذكر أن الحروف كانت تعني لي شيئا بجانب الصور كانت مجرد أشكال, وهي بدايات لأسماء العالم, واعتقدت وقتها بأنهم وضعوها ليتعرف كل الأطفال على أول الحروف بـ أسماء والديهم وأشقاءهم.
وبعد عام واحد بعد أن تعلمت حروف الهجاء كاملة في المرحلة التمهيدية قبل المدرسة أصبح النص بالنسبة لي سحرا ولغزا يستفز عيني على فك شفراتها, بدأت أنبذ كل القصص ذات الصور الكثيرة والنصوص القليلة, توقفت عن شراء قصص الأطفال واستبدلتها بـ “أطلس التاريخ” وبعض من كتب والدتي التي غالبا عن تخصصها التاريخ, لأكون صريحة لم أكن أفهم شيئا من المكتوب لم تكن تعنيني الدولة العباسية , أو الأموية , أو أي شيء آخر كنت سعيدة فقط بنطقها أ م و ي ة , ا ل ق ا د س ي ة , وهكذا سعيدة بالحروف بتعلمي لنطقها متصلة وأفضل جزء حينما أنسخ الاسم وأفككه لحروف منفصلة, كانت متعة كبيرة لي أقضي معظم الوقت سعيدة بها.
“كان تحمسي مفرطا إلى درجة أنني كنت أظن سأصبح إنسانة غير سعيدة إن لم أعثر دوما على كتاب جديد أقرأه”
بعد أن “فكيت الحرف” مرت علي مرحلة الابتدائي كاملة وأنا متعطشة بشكل كبير للقراءة لكن لم أجد أبدا كتاب مناسب لخيالي أستطيع قراءته بسعادة, وكنت مبتدئة باللغة الإنجليزية ففضلت أن تكون هذه المرحلة لقراءة الكلمات الانجليزية اشتريت قصص أطفال باللغة الإنجليزية وأعدت مرحلة الحروف وتركيب الكلمات وكنت أسعد بذلك.
بدأت المرحلة المتوسطة بكتب لأغاثا كريستي قرأت أكثر من 16 كتاب في المرحلة الأولى وكان هذا العدد كبير جدا على طالبة مجتهدة تقضي نصف يومها تذاكر دروسها وتكمل تعليم اللغة الإنجليزية “بشكل ذاتي” كنت أحب تعليم نفسي وفك رموز الحروف الجديدة, وانتقلت بعدها لقراءة ماجدولين المنفلوطي وغادة السمّان و مسرحيات شكسبير كان تدرجي في القراءة غريب أقفز من نقطة لأخرى بنهم لا يعرف كيف ينتظم.
طقوسي:
من طقوسي قبل بداية كل كتاب أقسم عدد صفحاته على الأيام التي أخصصها له ونقاط التوقف التي أحددها تكون قانون مقدس بالنسبة لي إذا فشلت يوم واحد في الوصول إليه أشعر بأن مزاجي يرتبك!! ولا أستطيع أن أكمل القراءة بشكل منتظم وقد أترك الكتاب لغيره حتى أتصالح مع نفسي وهذا نوع من العقاب الذاتي لأنني لم أنتظم بالخطة , وأحب جدا الرقم 20 أو 30 أو 50 في توزيع الصفحات على الأيام , نادرا ما أقرأ 33 صفحة أو 53 , أحب أن أقف على أحد مضاعفات هذه الأرقام قبل أن أنام.
“غير أن القراءة في الفراش تعتبر أكثر من مجرد تمضية للوقت, إنها تمثل نوعا من الوحدة. فالمرء يتراجع مركزا على ذاته, ويترك الجسد يرتاح, ويجعل من نفسه بعيدا لا يمكن الوصول إليه مخفيا عن العالم”
الأماكن :
ترتبط كثيرا في ذاكرتي الأماكن التي قرأت بها الكتاب حينما أتذكر أحد سطوره أتذكر المكان ليس لدي مكان محدد فكتابي في حقيبتي دائما, أقرأ في انتظار المستشفى, في انتظار صالون التجميل, في الكافي, أختار كل فترة أو مرحلة من عمري كافي معين للقراءة فيه , كنت أفضل ستاربكس (آيسلاند) , بعدها كوستا كوفي (في جرير مول) , بعدها أدمنت على القراءة في تيانا الكورنيش, وحاليا كليلة في الروضة * , وهناك أماكن أخرى قرأت بها خلال استراحتي في المولات أثناء التسوق أسترق صفحات من نصاب اليوم مع فنجان القهوة, ولا شيء أجمل من يوم أمارس به شيئان أحبهما “التسوق والقراءة”, وفي آخر اليوم يجب أن أبقي بعض الصفحات للقراءة في السرير خصوصا في أيام الشتاء بكوب النعناع بيدي والكتاب يرتاح أمامي كل قارئ يمر على سطوري هذه سيفهم معنى أن تختم يومك بما تحب.
علاقتي بالكتاب :
يصيبني حب التملك مع الكتب أي كتاب أقرأه فهو يحوي تاريخي ملاحظاتي اقتباسات مفضلة لحظاتي الخاصة, يحوي داخلة رحلتي سفري المفضل, لا أعير الكتب إلا في حالات نادرة مع توصيات كثيرة ولا أسمح لأحد أن يكتب على كتبي أو يحدد شيء –رغم أني أكتب وأحدد كثيرا- أشعر بأن من يفعل ذلك فقد أربك رحلتي وتاريخي, أي شخص يطلب مني استعارة كتاب أهدي له نسخة أخرى, حالات خاصة جدا وأشخاص معينين من سمحت لهم باستعارة كتبي من ضمنهم أختي التي دائما ما تهين كتبي بمعاملتها بطريقة لاترضيني , وتغضب إن أنا وجهت لها أي ملاحظه وقد تعيد لي الكتاب قائلة :”أخر مرة أخد منك شيء” , وهي بالمناسبة هذه الأيام تقرأ كتاب لي وأحاول قدر المستطاع أن لا أنبهها كل دقيقة على أنها “رمت” كتابي على الأرض وبقيّ هناك ليلة كاملة أنا فعلا أحاول أن لا أصبح إنسانة صعبة جدا لمن يستعير مني كتابا ولكنها عادة لم أستطع أن أكف عنها.
كتابي المفضل ..
من أكثر الأسئلة التي تستفز قارئة مثلي سؤال :” أفضل كتاب بالنسبة لك” أرد عليه بـأن أقول :” هي كومة كتب وليست كتابا واحدا”, حقيقة أجد صعوبة في تحديد كتاب مفضل, كثيرة هي الكتب التي أبكتني كثيرة التي أوصلتني لبر الأمان و احتوت أسئلتي, كثيرة هي التي أدخلتني عالما مجنونا أو فجرت جنونا كامنا فيّ, كثيرة تلك السطور التي توقف عقلي عندها كثيرا, والتي صححت لي مفاهيم , وفتحت لي الطريق للوصول لقناعات, كثيرة التي ساعدتني لأزور العالم وأتعرف على الشوارع والأماكن والخصائص, والمجتمعات.
تاريخ القراءة من الكتب التي سأعود لقراءته مرة أخرى, شكرا صديقتي مها الجبر التي أهدتني هذه النسخة وقد كنت قبلها أبحث عنه وأطلبه من المواقع المخصصة لبيع الكتب ودائما حظي يقف معاندا لي وتنفذ النسخ قبل وصولي إليها, كتاب ممتع جدا ورائع.
*سكان جدة يعرفون الأماكن طبعا
* العبارات الغامقة بين القوسين”” من الكتاب
4 Comments
يبدو أن الكتاب بالفعل رائع و لكن الأروع علاقتك مع القراءة
أنهيته قبل أسابيع، كانت الفكرة العامة وسياق الكتاب هما ما أثارتني بشكل كبير عند اقتناصي للكتاب في معرض الكتاب الفائت، وكنت أعد الأيام حتى أصل إلى دور الكتاب ضمن سلسلة الكتب التي خصصتها لهذه السنة، لكنني، وللأسف، لم أستطع هضم مفردات وأفكار الكاتب، ربما لأنه يتحدث من منطلقات أميريكية جنوبية، وهذه المنطلقات التي جربت التلامس معها مراراً، لا تناسبني، ميلان كونديرا، جارسيا، إليزابيث الليندي، لعل الاستثناء كان مع كويليو، ألهمني في كتابة تدوينة خفيفة سريعة اسمها إقرأ، لعل هذا أكبر آثار عبوري بهذا الكتاب.
أما عن حديثك عن القراءة، صدقيني أفهم ما تقولينه تماماً، وأضحكني ارتباط السوق والقراءة، هنيئاً للنساء، أغبطكم على متلازمة السوق والقراءة، وعلى أشياء أخرى كذلك مثل الحقيبة اليدوية التي لا تنفد عجائبها، وكتبها أيضاً.
تحياتي أختنا مشاعل وبالتوفيق
أجمل ما في الموضوع، هي الحميمية التي حفّت سطوره. استمتعت بعيش وصفك علاقتك بالكتب، ولمقدار الجدية التي تهبينها لطقوس القراءة. ضحكت حين قرأت ”أخر مرة أخد منك شيء”، وقلت يا ليتهم يفهمون مقدار تمنّينا بأن يصدُقوا !
تحياتي مشاعل،،
[…] آخر قراته لمانغويل “تاريخ القراءة” […]