هذا الكتاب أول قراءة لي في فكر جلال أمين , وجدت في تسلسل أفكاره وطرحها زاوية مختلفة وطريقة جديدة للتفكير, في كل ما مر به العالم الإسلامي فكريا واجتماعيا, واقتصاديا.
يتطرق جلال أمين من خلال كتابه إلى فكرة التقدم والتخلف , بمحاولة توضيح أن القول عن أمة بالمطلق بأنها متقدمة هو أو القول “أمة متخلفة بالمطلق” أمر خارج حدود المنطق, لأن الأمة هي عبارة عن خليط من أكثر من عنصر قد تتقدم بأحده وتتأخر بآخر وبحسب وجهات النظر المختلفة, وهذه بالذات طريقة جديدة للحكم تعلمتها من كتابه, لأننا بالغالب نسمع كلمة :”شعب متخلف” أو ننظر مثلا للمجتمع الأمريكي بأنه متقدم, بعد قراءة الكتاب أمسكت بورقة وقلم وكتبت الأمة العربية و أمريكا , وكتبت كل النواحي التي أجد أن العرب متقدمين ومتخلفين بها والأمر ذاته تحت اسم أمريكا, ووجدت أنه من وجهة نظري قد تختلف المقاييس التخلف ربما يكون تعليمي أجتماعي لدينا لكن اقتصاديا لحد ما نحن أفضل خصوصا بعد الأزمة العالمية وما إلى ذلك, وأمريكا قد تكون متطورة علميا وقانونيا وإداريا, لكن اجتماعيا لا أعتقد برأيي الخاص أن حياتهم متقدمة في بعض نواحيها والأسباب يطول شرحها.
هنا يجب أن أوضح بأن ماكتبته أعلاه لا يعني عدم اعترافي بالتقدم الأمريكي أو القصور الذي نعيشه كعرب, لأن الاعتراف بالتأخر هو أول الحلول, ولن أتغاضى عن الحقيقة, لكنه مقياس جديد علمني التوازن حتى لا أكره واقعي.
ومن أسباب التأخر الدونية التي يشعر بها العرب مقابل الأجنبي, وضحها جلال أمين حينما تحدث عن “الخواجة” الذي غرس هذا الإحساس لدى العرب وقت الاستعمار, وكيف أثرت عقدت الخواجة على البعض , حتى أصبح التقدم أمر محال داخل النفوس العربية.
الكاتب هز الكثير من المصطلحات مثل الحرية و التنمية الاقتصادية والإنسانة وتمكين المرأة وحرية الإعلام التي خرجت علينا من خلال دراسات قام بها الغربية لمحاولة التأكيد في رسائل غير مباشرة للعالم العربي بأنه لايزال يعاني من مشكلات تقدم عليها الغرب وأجتازها في حين أن لدى الغرب الكثير من المشكلات التي قد تقلب موازين الحرية التي يدعونها, وفي هذا اتفق مع جلال أمين , أنها موجودة لدى الغرب بفارق بسيط هو أن أي جماعة أو شخوص يعانون في المجتمع الغربي من الاضطهاد لديهم المحال للحديث والمطالبة إذا استطاعوا أن يصلوا للرأي العام في حين تنعدم وسائل التعبير لدينا.
ماشدني هو الفصل الذي تحدث فيه عن الإرهاب حيث ناقش المصطلح و نشأته وطريقة تعامل الإعلام معه بطريقة لم يسبق لي أن فكرت بها أو قرأتها, وكيفية تمييع المصطلح ليبقى فضفاضا يسع كل ما يقع في طريق الغرب ليسهل التخلص منه, وليكون أمر عالمي لا يخص بلد دون آخر.
كتاب عميق رغم انه خفيف , هز مصطلحات تشربناها لنعيد التفكير بها و نشك بكل طرق تلقينا للأفكار حتى نستطيع أن نخرج بأفكار خاصة, طريقته في طرح الأسئلة هي احترام لعقل القارئ ولفكره وخروج عن الطرق التي تعودت الوصايا على العقول والتعبير.
بقي أن أقول عن الكاتب بأنه في بضع مواقف شعرت بأنها متحامل على الغرب بطريقة أكثر من المعقولة لكن توصلت بعد الانتهاء من الكتاب إلى أن الكتاب لا يحاول أن يؤسس فكرة بقدر ما يحاول أن يؤسس طريقة للتفكير ولا بأس من الشك بكل مانتلقى حتى حينما نبتلعه يكون له النكهة التي نريد ونحب, هي مجرد وضع الأفكار في عقولنا ومحاولة تفسير كل واحدة على حدة.
الأستاذة صفية الجفري, حينما ناقشتها عن الكتاب رشحت لي قراءة سيرة جلال أمين, ولأنني أثق برأيها وذائقته –الفكرية- أصبح في أولويات قائمتي القادمة.
No Comments