سيرة ذاتية تقطر حروفها إيزابيل أثناء انتظارها في ممرات وغرف المستشفى المدريدي الذي بقيت تركض منه وإليه كل يوم على أمل أن تفتح باولا عينيها الجميلتين، لتقول وهي نصف مغمضة بعد النوم الطويل: أحبك يا أمي.
سابقاً في فترات تتذكرها جيدا من خلال الكتاب، حينما كانت تحمل هموم المطلوبين للنظام المستبد ما كانت كلمة الموت لتشكل لها عائقاً عن مواصلة التقدم، لكنها الآن تهابه وهي تشاهد الموت يتربع فوق رأس باولا تارة ويختفي أخرى وكأنه يلعب معها لعبة لاتعرف معناها.
تتشبث بكل الخيوط التي تلقيها السماء لها كأمل واهن ضعيف لكنه كافي لأم تريد أي قشة لتستطيع عبور المحيط الهائج الذي ألقيت فيه ابنتها حينما تضاعف مرضها أكثر فأكثر , إزابيل في سيرتها الروائية تكتب بسخرية من كل هذا العمر وكل المآسي التي مرت بها لتقول أن لا شيء يساوي فقدانك يا أبنتي تترجاها لتعود تستمع إليها تطرق كل الأبواب حتى تلك الخرافية. وتحكي لها تفاصيل ودقائق كل ما يتعلق في حياتها حينما كانت طفلة بكل الخرافات التي كانت تعيشها بالقرب من جدتها و الأرواح تطوف حولها في منزلها القديم عن رسائل مخربشة وطفولية تبعث بها لروح جدتها الحاضرة تشبكها بستائر التاتا و حبها الخفي لذلك العجوز الذي كان حاضراً في كل مراحل حياتها رغم انها أدركت – ككل الأشياء الجميلة – عمق حبها له بعد فوات الأوان.
تسرد في كتاب لن تقرأه باولا أبدا كيف طرق النضوج بابها، كل ألعابها الخفية و تسليتها البريئة، العمر الذي قضته وهي تحارب الممل و الحياة الروتينية لتعود و تأخذ بيد زوج باولا بعد أن سرق منه المرض جسداً كان بالأمس حبيباً وقريباً وشهياً في المنتصف تماماً علمت أن باولا لن تعود أبداً أدركت ذلك جيداً لكنها وبقلب أم حزينة ترفض أن تقر بشكل نهائي بتلك الحقيقة الواضحة.
حينما انتهت من قصة طفولتها وحياتها والتذبذب الذي أحدثه غياب أب مفاجئ إلى تنقلات كثيرة زعزعتها تنظر لعيني باولا التي لم تعد تعي شيئا خارت قواها إلا أنها لم تقتل الشجاعة وروح المقاومة في قلبها، صفحات ساخرة بألم، كتبت من أجل أن تبقى باولا لكن الموت سحب البساط من تحت الحياة فنثر رماد باولا في الغابة التي أحبتها إزابيل وتحولت من جسد ميت هش إلى عالم يحيط بقلب أمها تتوحد معها في ساعات الحزن وتبقى ترقبها من بعيد لتطمئن بأن سعادة أمها كاملة .
كتب أخرى لإزابيل :
إنيس حبيبة روحي
حصيلة الأيام
أبنة الحظ
صورة عتيقة
بيت الأرواح
No Comments