– الحياة مملة!
– أعتقد بأنه ينقصك الكثير من الصبر إنتظريها فالحياة تحدث دفعة واحدة ..
شخص مجهول*
١\٩\٢٠١٦م .. تمام الساعة الثانية ظهرا .. (مابين البين)
لسبب لم أتبيّنه بعدْ، هذا الحوار الذي جرى بيني وبين شخص لا أعرفه، لازال يدور في مُخيلتني، خِلال الأسبوع الماضي الذي قضيتُه أفكر؛ كيف أن العمر يركض بإتجاه المجهول، كنت أفكر بالرقم ٣٠، الذي ما انفك يُغازل أفكاري منذ عُمرٍ مبكر، الحياة تحدث دفعة واحدة، بقيت أحاول تحليل هذه (الدفعة الواحدة) طوال اليوم الأول والثاني من سبتمبر، وحينما كنت منهمكة أنتقل تارة بين أفكاري وتارة أخري لعملي الكثير المتشعب، لمحت في بالي فكرة توقفت خلالها عن الكتابة وقلت مخاطبة نفسي: عرفت قصد ذلك الشخص ، أن الأشياء التي تسرق وقتنا تحدث في ذات الوقت حتى أننا لن نعرِف كيف يمكننا توزيع كل الأمور الحياتية على الـ٢٤ ساعة التي ماعادت حتى تكفي للعيشِ بأقل تقدير ممكن.
منذ حاورت ذاك الشخص المجهول الذي أتمنى لو أنني عَرِفتُ اسمه.. هممم تعرف ( ياقارئي المحتمل)، لا أُخفيكَ سِراً، قد يكون هذا الشخص من وحي خيالي، أشعر أحياناً بأني أعيش في منطقة متوسطة بين اليقضة والحلم، في عالم إخترعة عقلي ليكون مُستقرا في مكانٍ يعرفُ دهَاليزَه وزواياه، أمسيتُ لا أعرف الفرق بين الواقع والخيال، بكل الأحوال سواء كان ذاك الحوار حقيقيا أم لا، فقد لمسني جدا، وها هو الآن يعود للواجهة من جديد، أعتقدُ بأنه صَارع الكثير من الذكريات الأخرى ليفاجأني بالظهور مرة أخرى مصحوبا بالرقم ٣٠ والكثير من الأشياء الأُخَر.
ولأزيد الأمر تعقيدا، فكرت كيف يمكن أن أدخل عامي الـ٣٠، هممم فكرت بوسيلتي الأكثر شهرة للهروب،(الكتاب) الذي كان بساط الريح لأحلامي وعوالم أخرى منذ أن كنت أرى نفسي مع المحقق بوارو أحاول حل لغز القضية١حتى الوقت الذي أجد كتفي يلتصق بكتف كافكا على الشاطيء٢، نستمع كلانا للموج ذاته، ونغوض داخل أعماق أعماقنا، قررت بأنني سأقرأ أكثر ليكون يومي مقعدا بشكل لا يمكن لأي أحد أن يتخيله، قراءة كتاب كل يوم كانت ولازالت حلما يراودني لكنني رغَم إنفصالي الجزئي عن الواقع -هو إنفصال اختياري بالمناسبة -إلا أنني أفاجئ نفسي بعقلانية تطل برأسها كل حين عرفت بأن قراءة كتاب كل يوم أمر أشبه بالمستحيل بظل الحياة العملية التي أعيشُها، فكتاب كل يومين سيكون أمراً معقولاً، لذلك أقول أهلا سبتمبر وأبدأ أول كتاب.
٢\٩\٢٠١٦م الساعة التاسعة إلا ربع صباحا ( الكتاب الأول : حفلة التفاهة)
سألت نفسي لماذا إخترت كتاب ( حفلة التفاهة) والجواب ليس محاولة فلسفية لإسقاط أي شيء على الواقع الشبه تافه، ببساطة؛ لأنه الكتاب الوحيد الذي لم أقرأه من سلسلة كتب ميلان كونديرا، ولأنه من المفضلين، فكانت حفلة التفاهة في المستهل.
أدهشني كونديرا سابقا بشكل مضاعف عن ما حدث مع هذا الكتاب، ربما سيكون كل ما يمكنني تقديمه هو نجمتين من خمسة لهذا الكتاب.
كونديرا من أكثر الكُتّاب الذي يتقنون تفكيك الأشياء وتقديمها كوجبة فلسفية دسمة مثلما ما فعل مع الخفة والبطئ والفرح والخلود والانتماء والهوية والأقنعة والحياة، وغيرها فيما قرأت له سابقا، كنت أظن أنني على موعد مع الدهشة التي ستخلفها لي حفلة التفاهة تلك.
الكاتب نجح في إيصال فكرة التفاهة لي، وكان بارعا في توظيفها مثلما قال الكاتب طاهر الزهراني. لكن وبعد قول كل ذلك، ألسنا نتفق بأن الواقع شبيه بتلك الحفلة؟ وربما كرهناها لأنها مواجهة للذات. الجدير بالذكر أنه وبالرغم من صغر حجم الرواية إلا أن شخصياتها واضحة المعالم، استطعت تفريق واحدة عن الأخرى هنا تظهر براعة كونديرا الروائية، وربما كل ما نشعر به الآن بعد نهاية الرواية هو إحساس قصد أن يوصله لنا، تفاهةٌ هي؟ إذا فلتكن كذلك. عزيزي القارئ المحتمل.. إذا كنت لم تقرأ شيئا لميلان كونديرا لا أعتقد أن البداية مع حفلة التفاهة فكرة سديدة، لذلك أتركها لآخر القائمة.
“أنظر حولك: لا أحد من جميع أولئك الذين تراهم موجود هنا بإرادته. بالتأكيد ما قلته منذ برهة هو الحقيقة الأكثر تفاهة بين جمع الحقائق إنها في غاية التفاهة والجوهرية، إلى حد كفوا عن رؤيتها وسماعها”كونديرا
بقي أن أشير إلى أن الفصل الأخير في الرواية مختلف تماما وبدونه لكنت ندمت على الوقت الذي قضيته في قراءتها، الحوار بين آلان ووالدته المتخيلة, رفع من تقييم الرواية في نظري، وكان سببا بالنجمتين.