رواية : سوناتا لأشباح القدس
واسيني الأعرج
*
*
*
“كنت كلما رأيتها في لباسها الفلسطيني المليء بالمزركشات والموتيفات الحية والنوار، اعترتني رغبة في أخذ الفرشاة بجنون وتغميسها في لباسها ورسم أشكال مجنونة من ألوان فستانها”
مثل كل ما يتعلق بفلسطين يبقى الأقصى وطعم الزيتون في خلفية مشاهد الذاكرة تحمل الكثير من المشاهد للفستان الفلسطيني الأسود بنقوشه, تمر في ذاكرتي مع كل سطر, كل المدن حتى تلك التي لاتنام تتقازم بجانب فلسطين حينما تكون ذكراها حاضرة.
واسيني يكتب هنا بلغة أكثر من رائعة, لغة تفسر الحنين والحزن بطريقة لايجيدها سواه.
الرواية أخذت من عاطفتي لتستقر بين سطورها, هل تضحكون إن قلت لكم بأنني بكيت من أول صفحاتها وكنت أبكي بين كل صفحة والأخرى ذاك البكاء الذي أكرهه تلك الدمعات التي تسقط دون أي فعل داخلي, كنت أتساءل هل فلسطين وذكراها ورائحة زيتونها وشجراتها أصبحت جرحا تعرفه أجسادنا بمجرد مروره وتبكيه؟, مثل القدس حاضرة غائبة نعرفها وبيننا وبينها كل شيء إلا الحضور.
من نيويورك إلى القدس نروح ونجيء بين حاضر ميّ وماضيها بين ألمها وطفولتها أتوقف كل مرة لأبحث في قوقل عن أسماء لوحاتها صدقت بوجودها وقررت بأن أول ما أفعله حينما أذهب لنيويورك زيارة المتاحف ومشاهدة لوحاتها, لكن محرك البحث خانني بأنه لم يظهر أي شيء عن لوحاتها وعن الفنانة هل تعمد واسيني على أن يضع كل تفاصيل اللوحات وأرقام بيعها بالمزادات لنصدق القصة أم أنها حقيقية لكنها غابت عن ذاكرة الشبكة العنكبوتية؟.
لم أعرف كيف أصف الرواية سيدة تقاوم مرضها ؟ أم ذكرى وطن غائب ؟ أم موت يتربص لخطف سيدة؟ هل هي محاولة حياة مستميتة, أم عدم اكتراث بالموت, ام تدوين اللحظات والحياة في عدها التنازلي؟, هل هي تسجيل لمراحل الضياع؟, هل هي ذاكرة فرشاة فنانة تستلهم لوحاتها من لون الجراح؟, أم ترانيم الموت؟.
الفن بموسيقاه ولوحاته وألوانه, دائما ما يسطر حياة البؤساء كملحمة مسموعة ومشاهدة, في هذه الرواية كلما قرأت سطرا تخيلت صوت الموسيقى التي ألفها يوبا وكأنها صوت الدبكة الفلسطينية ممزوجة بالجاز بتناغم لم أحلم بأنني قد أسمعه يوما ما.
لمن لم يقرأ أشباح القدس هي لغة الجمال الحزين الذي قد نمر بجانبه ونعايش لحظاته لكننا لا نستشعره إلا بالإشارة إليه.. هنا فرشاة ونوته موسيقية, و دمع وقدس ودماء, ومقاومة وفلسطين, سرطان ينهش أجزائها ويتربع داخلها وكأنها وطنه.
.”الدنيا لا تمنحنا إلا ما نسرق منها”
.”الزمن تغيّر رأساً على عقب يا يمَّا .. ويبدو أنَّ عظماء هذا الزمن صغارا في الأصل, ولا يُنتظر منهم ما يُعيد التوازن لأرض أصبحت اليوم تميد في كلّ الاتجاهات”
“الغريب في الأمر هو أنّنا كلَّما كنّا بعيدين عن مكان الذاكرة, نتذكَّر الأشياء دفعة واحدة, ولكنَّنا عندما نقترب منها يحتلّها فجأة بياض قلق.”
.”أميل إلى الهرب نحو المبهم لكي لا تكتشف حماقاتي الخفية, بدأت أسكن الألوان لكي أقول ما أشتهي قوله بدون أن أضطر إلى التبرير”
* الجُمل بين الأقواس اقتباسات من الكتاب