لطالما فكرت بالجانب الآخر من الأشياء، حينما أشاهد جدارا أبقى أحدق فيه لساعات أتخيل شكل الحياة خارجه أو خلفه، وهذا يربك الأفكار داخل عقلي حتى أنني بذلك أتجاهل التفاصيل الظاهرة، قد يفوتني الكثير لأنني دائما أركض خلف الماوراء، الجانب الآخر من النافذة من قلبي من العالم من الحياة من الموت من الأشياء من الأفكار.
بحثي عن العالم الخفي بدأ منذ طفولتي في السنوات التي بدأتُ بها بقراءةِ الكُتُب الخياليّة التي صنعت من العالم الذي لا أشاهده ساحة جديدة مختلفة ومشوقة بعيدة عن الحياة اليومية الرتيبة، فبقيت معلّقة، جسدٌ في الواقع وروح تجوب كل الاتجاهات الممكنة والغير ممكنة، فالطفل الذي يعيش قصة أسطورية وحيداً أو الذي يحمل قوى سحريّة يحيِّ خيالي ويجعلني أتسائل لماذا لا يختارني الأقزام لأعيش بينهم؟ ولماذا لم أعرف حتى الأن عنوان بلاد العجائب؟ – أعتقد بأنني أعيش فيها الآن لكنها عجائب من نوع آخر- توقي للإستقلال بدأت شرارته من هناك، فالمغامرة والبحث عنها هي ما يستفز كل حواسي لتشعر بالحياة، أود التنقل بين الأماكن -والأزمان إن أمكن ذلك- وأتعرف على كل جديد بِنَهَمْ لا ينقطع أبدا، لذلك كتبتُ في دفتر مذكراتي وأنا لا أزال في الـ١٦ من العمر: “حينما أصل للثلاثين سأسافر وأكتب عن رحلاتي” لما اخترت الثلاثين؟ ليس لدي جواب واضح.
عودة للواقع، هذه الفتحة في جدار مكتبي والتي تشكل المنفذ الثاني بعد الباب للخارج الواسع الشاهق البعيد، ليست شيئا مثيرا للاهتمام هي مجرد نافذة وضعت لأنه من المهم أن تكون في كل غرفه نافذة سواء كان مكانها مناسبا أم لا، فأنا حقيقة لا أعرف منها أي تفاصيل عن الخارج؟ هل الغيمة تكسو الأجواء؟ أم أن الشمس لا زالت تسيطر؟ لا أعرف منها ما يُعرف دائما من النوافذ، المعلومات الأساسية البسيطة التي تمررها للداخل عن الخارج.
نافذة مكتبي تطل على (المنور) وبما أن مكتبي في الدور الأول فإن الشمس تتخبط قبل أن تصلنا للأسفل، يمكننا أن نستشف بأن الوقت لايزال مبكرا ونحن في الساعات الأولى من النهار وأن السماء لم تظلم بعد. لكن في الحقيقة لا أعرف مستوى إضاءة الشمس أو التوقيت بالتحديد وأبقى أفكر ماذا لو سقطت في نوم مفاجئ واستيقظت هل سأعرف الوقت في الحال. حينما فتحت النافذة ومددت يدي للخارج، عرفت بما لا يدع مجالا للشك بأن اليوم هو يوم جاف جدا خال من الملامح لا يمكنني الشكوى من الحرارة لكنني في ذات الوقت لا يمكنني القول بأن الطقس مميّز. لا شيء مميّز عن اليوم سوى أفكاري المتطايرة منذ ساعات الصباح الأولى.
قررت اليوم الغوص داخل داخلي، وإكتشاف ما تحت السطح من خلال تحديد تحدي للكتابة اليومية والذي بدأته اليوم، وأجدده كل ٣٠ يوما بعد مراجعة ما تم إنجازه، بدأت اليوم بداية خجولة بعد ما كان قراري الكتابة في ساعات الصباح الأولى بدلا من الكتابة في الفترة الميتة الممتدة في نظري من ١٢ حتى الثالثة مساءا. لكنني أشعر بعجز من نوع ما لا أفهمه لا أستطيع استدعاء الكلمات رغم أن الأفكار هنا حيّة وأشعر بها تتراقص داخلي تعذب الكائن الذي أصبحته اليوم.
من الجانب الآخر هنا الطرف الداخلي من النافذة، كل شيء يبدو ساكنا إلا من صوت جهاز التكييف، و إذا ما حاولت إلصاق يدي بالزجاج، أشعر بدفء غريب يدفعني للتفكير بالخارج، الماوراء الماوراء الماوراء …. هو ما أبحث عنه أود السير بلا حدود بلا حواجز لكنها حالة مستحيلة هنا. مستحيلة جدا لا أعرف كيف أتخلص من هذه الرغبة، ولا من حالة عدم الجدوى في الواقع، الذي يدفعني بالتفكير بالعوالم الافتراضية، أو افتراض وجود عالم مليء بالمعاني والأفكار أعرف من خلاله عن ذاتي، عالم البحث عن إجابات ممكنة بلا حواجز وهمية عنوانها الحرام والممنوع.
تفاصيل الماوراء التي ربما أكتب عنها يوم الغد هي ما يستفزني ويحوّل كل شيء في نظري إلى عمل سطحي لا زلت أنتظر ما يهزني يجبرني لأغرف من أعماقي لأبكي بحق وأضحك لأسباب مضحكة حقا، لأغضب بعنف ولتهزني النشوة بشكل حقيقي، لأرقص من أخمص قدمي حتى أعمق نقطة في إحساسي، حتى لا اتصنع أيَّ شيء بعد الآن أريد أن أشعر بصدق.
أعتقد بأن الجانب الآخر من النافذة الذي يفتقر لشجرة وارفة مرتفعة عن الأرض، يكفيه بأن الهواء يتحرك فيه للأعلى دائما لطبقة مختلفة من الحياة ليبهرني، يتصاعد للأعلى هناك ينظر إلي شزرا، أما أنا فلا زلت أسير في اتجاه واحد في بعض الأحايين ينتابني شعور بأن طريقي حلقة مفرغة لأنني أمر بأشياء مشابهة دائما قد يلعب في قسماتها الزمن ويكون له دوراً في تغييرها، لكنها تشبه لحد كبير ما شاهدته في المرة السابقة، حتى احساسي تجاهها يتكرر. نفس التفاصيل والأشياء والسقطات والأفكار، الجانب الآخر العصي على الفهم داخلي الجانب الآخر الذي يمنعني من التفكير في واقعي الجانب الآخر الذي قد يكون مذهلا لكنه قد يكون فارغا أيضا!. كيف أبقى هُنا على أرض الواقع؟، السبيل إلى ذلك يبدو عصيا لكن رحلتي هذه قد تكون المفتاح والسبب.